التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الحصَّالة العجيبة


مشهدان يرتسمان في الذاكرة عندما أتذكر المال في مرحلة الطفولة والتي أعتقد أنها مرت على الكثيرين منا. المشهد الأول عندما قررت العائلة إدخال الحصَّالة للبيت؛ فأصبحت جزء من نظامنا في إدخار مبلغ صغير كل يوم مما علمنا قاعدة مالية مهمة وهي "أن تنفق أقل ممكا تكسب". المشهد الثاني هو عندما كانت تطلب منا إدارة المدرسة المساهمة بمبلغ سنوي للإستثمار في مقصف المدرسة، وفي نهاية كل عام نجني أرباحا مالية بقدر المساهمة التي دفعناها. وهذا علّمنا الأثر السحري لإستثمار المال في مكان آمن حتى تضمن نماء المال بشكل مستمر. لكن يبدو أن الكثرين منا نسوا هذه الدروس غير المباشرة في التعامل مع المال. وأصبحت محافظنا المالية عرضة للإستهلاك غير المدروس؛ حيث يجد الكثير من الأفراد أنفسهم في نهاية كل شهر أمام ضائقة مالية قبل نزول المرتب الشهري، أو المنحة المالية التي نحصل عليها من المكان الذي ندرس به بالنسبة للطلاب.
 
 هناك مجموعة من العوامل التي تؤثر على الطريقة التي نتعامل بها مع المال، والتي تشكلت عبر مراحل نمونا. العامل الرئيسي هو مخططنا المالي وهو عبارة عن القناعات والقيم والمشاعر التي نرسمها عن المال في ذواتنا. فيعمل بمثابة نظام التشغيل في أذهاننا بصورة تلقائية للتعامل مع القرارات المالية التي نتعرض لها. فاذا كنت تعاني مع المال في حياتك فهذا يعود أن مخططك المالي لا يدعم الوفرة والثراء. العامل الثاني هو ما يطلق عليه مجازا الذكاء المالي وهو عبارة عن القدرات والمهارات التي تحتاجها لإدراة مصادرك المالية. فكلما حرصت بطريقة واعية على بناء وتطوير هذه القدرات والمهارا ت كلما أثرت بطريقة مباشرة على الطريقة التي تتعامل بها مع المال. العامل الأخير وهو الوقوع تحت ضغط ثقافة الإستهلاك؛ للدرجة التي أصبح فيها معظمنا لا يستطيع التفريق بين نفقاته الضرورية ورغباته الشخصية. حيث أصبح الوقوع تحت فخ الإعلانات التجارية التي تخاطب عواطفنا عملا تتقنه الشركات اليوم؛ مما يؤثر على طريقة إنفاقنا للمال.
 
توجود قاعدة ذهبية في عالم المال والثراء بمجرد إلتزام كل واحد منا بها ستؤثر بطريقة مباشرة وغير مباشرة على حياته المالية. القاعدة تقول أنه يجب عليك أن تتدخر 10% من دخلك الشهري في حصَّالتك كحد أدنى، وتكيف حياتك على ال 90% المتبقية من دخلك. أول مهارة ستكسبها من ذلك قدرتك على ضبط نفسك والزام نفسك على تقليل نفقاتك غير الضرورية. وبعد مرور فترة على وجود هذه المدخرات ستعمل مثل المغنطيس في جذب المزيد من المال إلى حصالتك. هناك قاعدة أخرى مهمة وهي لا بد أن يكون مجموع مدخراتك يكفي لثلاثة إلى ستة أشهر في حال تعرضك لأزمة مالية. أن قوة الإدخار تنبع من قدرته على منحنا الآمان المالي في وجه التحديات التي قد تواجه أي فرد منا في أي ظرف كان. بعد أن نتأكد أن مسار إدخارنا صار ثابتا وأن حصَّالتنا المالية بدأت بالامتلاء ينبغي أن نبحث عن مصادر آمنة لاستثمار هذا المال حتى ينمو ويتكاثر. ينبغى أن ننتبه أن يكون مصدر الإستثمار آمنا وليس عرضة للخطر. فالربح البسيط والآمن أفضل من المخاطرة العالية بالربح، وبالأخص في بداية تأسيسك المالي.
 
 فلسفة الإدخار لا بد أن تنغرس في الطالب الجامعي وحتى طالب المدرسة فهي ليست محصورة للموظف. كلما بدأت الإدخار في وقت مبكر من حياتك كلما ضاعفت ثراءك في وقت مبكر من شبابك. يعجبني الشباب والشابات الذين يحولون مجال إهتماتهم إلى أعمال يجنون منها ولو دخلا بسيطا؛ لكنها مع الوقت ستتوسع وستنمو إلى جوانب أخرى. تجنب أن تبقى عالة على من حولك. ابدأ التفكير في كل الأشياء القريبة من حولك التي تستطيع أن توظفها في جني المال. هل تعرف أننا في فترة تاريخة مليئة بالفرص والأدوات المتنوعية التي تجعل الشاب والكبير على مستوى مواز من الفرص. هل تعرف أن أكثر الشباب ثراء في عالم التقنية هم شباب لم يتجاوزا الخامسة والعشرين من عمرهم، الذين بدؤوا في استخدام مدّخراتهم البسيطة في تأسيس شركات عابرة للقارات. أنت أكبر مما تعتقده عن نفسك ضع هذا في بالك.
 
 سؤال كيف أضاعف من ذكائي المالي وابدأ في إكتساب عادة الإدخار؟ اليوم تتوفر في المكتبة العربية مجموعة من الكتب المترجمة التي تتحدث عن الثراء المالي وتساعدك في إكتساب قناعات وأفكار جديدة حول التعامل مع المال بطريقة صحيحة. كما أنه تتواجد مجموعة من الدورات المتخصصة في هذا الجانب حيث تمنحك مهارات عملية ونماذج قابلة للتطبيق على أرض الواقع. فلا بد أن تستثمر جزء من مالك ووقتك في هذا الجانب أذا كنت جادا فعلا للوصول للثراء. وأخيرا أنت بحاجة أن تحتك بالناجحين في هذا المجال وتتعلم منهم كثيرا سواء من زملائك أو أشخاص أكبر منك. لا بد أن تكون مثابرا لخلق علاقات تربطك بهم حتى تتمكن من التعلم منهم.
 
وأخيرا هل تعلم إن أفضل طريقة لتطوير الذات هي طريقك نحو الثراء المالي؛ لأنك ستتعلم الكثير من فشلك ونجاحك؛ مما سيصقل شخصيتك ويبني قدراتك.
رحب بالثراء في حياتك من خلال أول قرار لك بإدخار 10% من دخلك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذا المقال نشر بمجلة المسار التي تصدر عن دائرة العلاقات العامة والإعلام بجامعة السلطان قابوس بتاريخ 30 مارس 2017م
 

تعليقات

  1. المقال ع الجرح��
    ��،،،
    فعلاً تعلمنا الادخار واحنا صغار من المدرسه ومن البيت
    بس لما كبرنا وصار لنا مخصص مالي شهري نسينا هالشي.
    سابقا قبل أن املك رخصة القيادة كان الوضع عادي بالنسبة لي وكنت دائما اسمع من زميلاتي بأن العلاوة تأخرت واحنا مفلسين كنت استغرب �� وأحس اني الوحيدة اللي ما فلست����
    بس بعد ما أخذت الرخصة �� لك أن تتخيل ماذا حصل
    المهم تداركت الوضع وبديت رحلة الاستثمار استغليت موهبتي وافتتحت مشروعي المتواضع وكان دخله جيد لكن ماعرفت أديره بذكاء�� يا إني احافظ عليه لفتره وفجأة يختفي أو يبدأ يختفي من البدايه شيئا ف شيئا
    حملت تطبيق مصاريف حاولت نوعا ما اتقيد ولكن لازلت
    الموضوع محتاج شويه صبر وتركيز وارادة����
    والمشروع شغال ولله الحمد��
    شكراً لك على المقال المفيد
    جُزيتَ خيراً

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا لك لمشاركة التجربة.. أكيد كل مشروع له عثرات في البداية لكن مع الوقت وطلب المشورة من المختصين ممكن الأمور تتحسن للأفضل..

      دمتي بود:)

      حذف
  2. من الجمال ان نرى ذا علم يشارك الكثيرين بعلمه وخاصة ان هذا العلم يخاطب الشخص بشكل سهل ومفهوم ويرتبط بالحياتنا الواقعيه بشكل كبير .. استمر فقدت بدأت بالايمان بان خلف الكلمات شخص مبدع قادرا على الوصول للنجاح بإثبات نظرياته وافكارة الرائعة .. شكرا لك على هذا الجهد وللامام دائما

    ردحذف
  3. مرحبا أستاذ أحمد ،،
    حضرت معك جلسة القراءة الريادية في القرية الهندسية، ممكن مشاركتي محتوى العرض للاستفادة منه ؟
    هذا ايميلي
    Halariyami@gmail.com

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا تقرأ كتابا أكثر من مرة

اقرأ كتابا جيدا ثلاث مرات، انفع لك من أن تقرأ ثلاثة كتب جديدة" العقاد ربما يخطر ببالك لماذا نحن بحاجة لقراءة بعض الكتب أكثر من مرة. بينما في إمكاننا قراءة كتب مختلفة في الوقت الذي نصرفة لقراءة كتاب مرة أخرى. في بعض الأحيان عندما أخبر زملائي بأني قرأت هذا الكتاب أكثر من مرة، يثير هذا الشيء لديهم بعض الفضول والتساؤل لماذا أعيد قراءة كتب قرأتها في الأساس. هناك مجموعة من الأسباب التي من أجلها يجب أن نعيد قراءة بعض الكتب. ونجد هذه العادة عند العلماء والمتخصصين وهواة القراءة كثيرا. وهي من الأمور التي ينبغي أن نمارسها؛ حتى نحصل على الفوائد التي نرجوها من بعض الكتب. والمثل الأمريكي يقول " التكرار أم المهارة". السبب الأول الذي يدفعنا لتكرار قراءة الكتب هو إسترجاع المعلومات. عادة في القراءة الأولى لا نستطيع الإحتفاظ بكم كبير من المعلومات، والأفكار التي مرت أمامنا. وأيضا لا نكون دائما في حالة تركيز ثابته في كل مرة نقرأ فيها؛ لذلك تفوت القارئ كثير من الأفكار التى لم ينتبه لها بشكل كافي. وحسب ما يذكر المختصين في مجال التعلم نحن نتذكر 10% فقط مما نقرأ. فقراءة الكت

ماذا غيرت فيك القراءة؟!

  في الرسالة التي وجهها الروائي العالمي باولو كولو لمحمد بن راشد شاكرا له إطلاقه تحدي القراءة العربي يقول في أحد مقاطعها " إن مُحاولة اكتشاف الذات هي من أصعب المهام وأكثرها متعة، هي المغامرة الوحيدة التي تُعطي لحياتنا قيمة، ولإنجازها هناك طريقتان: القراءة وخوض التجارب. وربما لا يكون أحدنا محظوظاً ليخوض تجارب كثيرة في حياته، إلا أن معظم الناس اليوم يستطيعون أن يقرأوا". لطالما شكلت القراءة لكثير من الأشخاص حجر الزاوية في حياتهم للإنطلاق إلى مسارات مختلفة، والإبحار لمناطق كانت مجهولة بالنسبة لهم.   قبل فترة كنت أتصفح موقع التدوين المصغر توتير، فوقعت على تغريدة في حساب "نزهة قارئ" -الذي يسعى لتعزيز ثقافة القراءة في المجتمع- يطرح فيها تسؤولا للمتابعين في حسابه وهو ] ماذا غيرت فيك القراءة؟ [ وبفضول كبير تتبعت إجابات المتابعين وهم من فئة الشباب. كانت إجابات رائعة ومحفزة جدا، تلمس بها حجم الأثر الذي تتركه القراءة في الأفراد الذي يتقنون منادمتها. نقلت لكم بالأسفل مجموعة من التعليقات التي شارك بها بعض المتابعين. لم أضع ترتيبا معينا للعبارات حتى أسمح لكم بالتواصل

اولا: إكسر كل القواعد

أحد أهم القرارات في مجال القراءة لهذا العام هو التركيز على كتب التخصص في الإدارة [المجال الذي اعشقه ^_^]، ومجال العمل في إدارة المشاريع والتدريب. وسأتكلم عن كتاب قرأته قبل فترة وهناك كتاب تحت القراءة سأتكلم عنه لاحقا.   اولا: إكسر كل القواعد "First, Break All The Rules" هذا الكتاب مبني على دراستين قامت بهم مؤسسة جالوب على مدار 25 عام: الأولى ركزت على الموظفين وقد طرحت سؤال "ماذا يطلب الموظفون الأكثر موهبة من مكان عملهم؟" وشملت أكثر من مليون موظف من مؤسسات وقطاعات مختلفة. واحد الخلاصات الرئيسة لهذا البحث أن مدة بقاء الموظف في الشركة أو مقدار إنتاجيته يعتمدان على علاقته بمديره المباشر. وهو يؤكد المقولة "أن الموظفين يتركون المديرون وليس المؤسسات". واحد أبرز المقارنات اللطيفة عندما سئل موظفون يعلمون في نفس الشركة لكن في أفرع مختلفة ويمتكلون نفس الأدوات إلا أن تقيمهم كان مختلفا تماما ويرجع السبب إلى المديرين المباشرين لهم. وهذا يشير إلى أنه قد تتواجد بيئات مختلفة في نفس الشركة بناء على المديرين الذين يتولون إدارة الأقسام والمشاريع.   البحث ال