التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هل أنت صاحب وظيفة أم مهنة أم رسالة

تعتبر مهنة المحاماة اليوم اﻷكثر أجرا في الولايات المتحدة اﻷمريكية، فقد تجاوزت مهنة الطب منذ سنوات عدة. حيث يبلغ الدخل السنوي للمساعدين وصغار المحامين قرابة 200000 دولار -ما يعادل 78000 ر.ع- ناهيك عن كبارهم. اﻹ أن الدراسات النفسية تشير إلى  ارتفاع نسبة التعاسة، وعدم الرضا الشخصي في مجال العمل؛ مما دفع بعضهم لتغير مجالهم او التقاعد المبكر.  ربما يشكل الدخل المادي جانبا مغريا للموظفين الجدد، وبخاصة أصحاب المؤهلات الجامعية. لكن لا يلبث المال اﻹ أن يفقد بريقه مع التقدم في العمر، واﻹتجاه نحو اعمال تحقق رضا شخصيا عاليا، يشعر اﻹنسان أنه يحقق ذاته من خلالها. وبشكل عام يميل كثير من الناس إلى اﻹستقرار في أعمالهم؛ على الرغم من أنهم لا يجدون الرضا الوظيفي لعدة اسباب أهمها: البحث عن اﻷمان الوظيفي، وعدم توفر خيارات وفرص أعمال كافية.
 
يصنف علماء النفس والباحثين العمل من حيث الممارسة إلى "وظيفة، أو مهنة، أو رسالة". فيكون العمل وظيفة عندما يكون الدافع الرئيسي من القيام به: هو الحصول على أجر مع نهاية كل شهر، يحقق من خلالها اﻹستقرار واﻷمان المالي. فربما يكون الشخص غير راضي تماما عن العمل الذي يقوم به، ولا يجد فيه ما يحقق له رغباته؛ ولكن دافع الحاجة والرغبة للمال هي من تقف خلفه.
ويكون العمل مهنة: عندما يستطيع الشخص أن يحقق الكثير من اﻹنجازات فيه، ويحصل على أجر عالي، باﻹضافة إلى ترقيات وحوافز مغيرية. فهي تحقق له مكانة مرموقة في مجتمعه وبين اﻷشخاص من حوله؛ لكنها لا تصل بعد للحد اﻷعمق الذي يرغبه ومع نهاية الترقيات والعروض المغرية يبدأ مهمة البحث عن مجال جديد.
وأخيرا يكون العمل رسالة: عندما يكون هناك ارتباطا وجدانا وعاطفيا مع المهام التي يقوم بها. يشعر الشخص من خلالها أنها جزء اساسي من حياته. حيث يحقق فيها قدرا عاليا من اﻹشباع والرضاء الشخصي. في هذه المرحلة تتوافق فيها التحديات مع نقاط القوة التي يمتلكها الشخص.
 
قد نعتقد لوهلة أن هذا النوع من اﻷعمال محصور لفئة معينة، تكون شديدة المهابة كالدعاة والأطباء والعلماء وغيرهم. اﻹ أن اﻹكتشافات اﻷخيرة تكاد تكون صادمة؛ حيث تذكر أن كل رسالة يمكن أن تكون وظيفة، وكل وظيفة من الممكن أن تكون رسالة. فالمدرس الذي يدرس من أجل الحصول على مرتب آخر الشهر فهو يؤدي وظيفة، بينما عامل النظافة الذي يعتقد أنه يساهم في خلق بيئة نظيفة وصحية ليعيش الناس بسعادة فهو يؤدي رسالة.
 
إن الكفة متجهة و ستتجه بشكل كبير في القريب العاجل إلى البحث عن اﻹشباع والرضا الشخصي في العمل، بدل البحث عن المال في مقابل التعاسة وعدم تحقيق الذات. يقوم حاليا علم النفس اﻹيجابي: وهو أحد الفروع الجديدة في علم النفس، والذي تأسس على يد عالم النفس اﻷمريكي د.مارتن سليجمان، ومجموعة من زملائه في عام 1998م على التركيز في ما يخلق رضا وإشباع شخصي في مجال العمل. حيث يركزون على دور المشاعر اﻹيجابية، وتوضيف نقاط القوة والفضائل في خلق حالة من اﻹشباع الدائم، والوصول لما يسمى بالتدفق حيث يصل الشخص فيها لحالة إنسجام مع العمل الذي يقوم به، لايشعر خلالها بالوقت. وهذا يحدث لنا أحيانا عندما نقوم بمهمة معينة، ونستغرق فيها تركيزنا، فنشعر بعد فترة بأن الوقت مر سريعا دون أن نحس.
 
يقضي اﻹنسان في المتوسط قرابة سبع إلى ثمان سنوات من حياته في العمل. وهذا جزء كبير من حياتنا لا بد أن نوليه إهتماما كبيرا. ينبغي أن نركز فيها للوصول لمستوى اﻹشباع والتدفق في اﻷعمال التي نقوم بها؛ حتى لا ينتهي قطار العمر ونكتشف في النهاية أننا قضينا هذه السنوات من حياتنا بطريقة لم نشعر خلالها بإنسنيتنا. وكما ذكرت سابقا فإننا نستيطيع أن نحول اﻷعمال التي نقوم بها إلى رسالة، والتى تمثل أعلى درجات التدفق والرضا الشخصي لو استطنعا أن نوجد معنا اسمى و ذو قيمة لما نقوم به، بحيث يتجاوز ذواتنا لخدمة مجتمعاتنا والبشرية بشكل عام.
 
أن الرسالة الصريحة التى اريد أن اوصلها في النهاية، أننا نستطيع أن نصل إلى الرضا الشخصي في أعمالنا؛ لو استطنعا أن نعمل في مجالات تتوافق مع نقاط القوة والقدرات والمواهب التي نمتلكها، او أن نكيف اعمالنا الحالية بحيث تجعلنما نستغل نقاط تميزنا. اعرف أن هناك أشخاصا يمتكلون مئآت اﻷسباب تمنعهم من الوصول للإشباع والتدفق في حياتهم، لكن ما أعرفه أيضا هو أن حياتنا وسعادتنا لا تقبل المساومة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

لماذا تقرأ كتابا أكثر من مرة

اقرأ كتابا جيدا ثلاث مرات، انفع لك من أن تقرأ ثلاثة كتب جديدة" العقاد ربما يخطر ببالك لماذا نحن بحاجة لقراءة بعض الكتب أكثر من مرة. بينما في إمكاننا قراءة كتب مختلفة في الوقت الذي نصرفة لقراءة كتاب مرة أخرى. في بعض الأحيان عندما أخبر زملائي بأني قرأت هذا الكتاب أكثر من مرة، يثير هذا الشيء لديهم بعض الفضول والتساؤل لماذا أعيد قراءة كتب قرأتها في الأساس. هناك مجموعة من الأسباب التي من أجلها يجب أن نعيد قراءة بعض الكتب. ونجد هذه العادة عند العلماء والمتخصصين وهواة القراءة كثيرا. وهي من الأمور التي ينبغي أن نمارسها؛ حتى نحصل على الفوائد التي نرجوها من بعض الكتب. والمثل الأمريكي يقول " التكرار أم المهارة". السبب الأول الذي يدفعنا لتكرار قراءة الكتب هو إسترجاع المعلومات. عادة في القراءة الأولى لا نستطيع الإحتفاظ بكم كبير من المعلومات، والأفكار التي مرت أمامنا. وأيضا لا نكون دائما في حالة تركيز ثابته في كل مرة نقرأ فيها؛ لذلك تفوت القارئ كثير من الأفكار التى لم ينتبه لها بشكل كافي. وحسب ما يذكر المختصين في مجال التعلم نحن نتذكر 10% فقط مما نقرأ. فقراءة الكت

ماذا غيرت فيك القراءة؟!

  في الرسالة التي وجهها الروائي العالمي باولو كولو لمحمد بن راشد شاكرا له إطلاقه تحدي القراءة العربي يقول في أحد مقاطعها " إن مُحاولة اكتشاف الذات هي من أصعب المهام وأكثرها متعة، هي المغامرة الوحيدة التي تُعطي لحياتنا قيمة، ولإنجازها هناك طريقتان: القراءة وخوض التجارب. وربما لا يكون أحدنا محظوظاً ليخوض تجارب كثيرة في حياته، إلا أن معظم الناس اليوم يستطيعون أن يقرأوا". لطالما شكلت القراءة لكثير من الأشخاص حجر الزاوية في حياتهم للإنطلاق إلى مسارات مختلفة، والإبحار لمناطق كانت مجهولة بالنسبة لهم.   قبل فترة كنت أتصفح موقع التدوين المصغر توتير، فوقعت على تغريدة في حساب "نزهة قارئ" -الذي يسعى لتعزيز ثقافة القراءة في المجتمع- يطرح فيها تسؤولا للمتابعين في حسابه وهو ] ماذا غيرت فيك القراءة؟ [ وبفضول كبير تتبعت إجابات المتابعين وهم من فئة الشباب. كانت إجابات رائعة ومحفزة جدا، تلمس بها حجم الأثر الذي تتركه القراءة في الأفراد الذي يتقنون منادمتها. نقلت لكم بالأسفل مجموعة من التعليقات التي شارك بها بعض المتابعين. لم أضع ترتيبا معينا للعبارات حتى أسمح لكم بالتواصل

الحصَّالة العجيبة

مشهدان يرتسمان في الذاكرة عندما أتذكر المال في مرحلة الطفولة والتي أعتقد أنها مرت على الكثيرين منا. المشهد الأول عندما قررت العائلة إدخال الحصَّالة للبيت؛ فأصبحت جزء من نظامنا في إدخار مبلغ صغير كل يوم مما علمنا قاعدة مالية مهمة وهي "أن تنفق أقل ممكا تكسب". المشهد الثاني هو عندما كانت تطلب منا إدارة المدرسة المساهمة بمبلغ سنوي للإستثمار في مقصف المدرسة، وفي نهاية كل عام نجني أرباحا مالية بقدر المساهمة التي دفعناها. وهذا علّمنا الأثر السحري لإستثمار المال في مكان آمن حتى تضمن نماء المال بشكل مستمر. لكن يبدو أن الكثرين منا نسوا هذه الدروس غير المباشرة في التعامل مع المال. وأصبحت محافظنا المالية عرضة للإستهلاك غير المدروس؛ حيث يجد الكثير من الأفراد أنفسهم في نهاية كل شهر أمام ضائقة مالية قبل نزول المرتب الشهري، أو المنحة المالية التي نحصل عليها من المكان الذي ندرس به بالنسبة للطلاب.     هناك مجموعة من العوامل التي تؤثر على الطريقة التي نتعامل بها مع المال، والتي تشكلت عبر مراحل نمونا. العامل الرئيسي هو مخططنا المالي وهو عبارة عن القناعات والقيم والمشاعر التي نرسمها