قبل سنة من الآن نشرت تدوينة
بعنوان "الصديق الثري والصديق الفقير". كنت أميز فيها نوعية اﻷصدقاء
الذين يساهمون في إثراء
حياتنا من عدة جوانب مختلفة. لقد مرت فترة طويلة على هذه التدوينة، واليوم مرة
أخرى أعود لفكرة الصداقة من جانب أكثر عمقا. فالمجتمع هو المكان الوحيد الذي نختبر
فيه صحة أفكارنا ونظرياتنا وقناعتنا. ومع الزمن وتراكم الخبرة والمعرفة، نعاود النظر
إلى أفكارنا لنعرف هل هي بحاجة إلى إضافة أو تعديل، وفي بعض الأحيان نضطر للتراجع
عن بعض أجزائها، أو نقضها تماما.
والمتابع يجد أن موضوع
الصداقه لم يعطى حقه من الدراسة والبحث، بنفس القدر الذي أعطي لموضوع بناء
العلاقات في بيئة العمل والحياة الاجتماعية بشكل عام. فقد تُرِكت الصداقه للمشاعر
والحس والتقدير الشخصي، وحشرناها في زاوية ضيقه جدا؛ بحيث أننا لا نتكرم بهذا اللفظ
الإ لفئة محدودة من البشر، تعد بالأصباع على مسار حياتنا. لكن من يحتكم للواقع
وينظر بعين المراقب، سيجد الوضع مختلف تماما. فاللصداقة مستويات تبدأ من السطيحية
لتصل حدا بعيدا من العمق. كما أن الصداقة ترتبط بأشياء كثيرة، فقد ترتبط بالمكان
أو بالوقت أو بالظروف أو بها جميعا. فهناك
صديق الطفولة، وصديق المدرسة، وصديق الجامعة، وصديق العمل، وصديق السفر، وصديق الاهتمامات..وغيرها
من الصدقات المتنوعة. وقد تظل الصداقه لمدة طويلة، وقد تنتهي خلال فترة وجيزة. الإ
أن الرابط المشترك بين كل هذه الصداقات وبين العلاقات هو الوصول لمرحلة حميمية من
المشاعر والألفة والانسجام والصدق لا نستطيع أن نصنفها ضمن العلاقات العابرة في
حياتنا.
فكرة الصديق الملهم جاءت
تناقش جانب أكثر عمقا وتخصصية. فيمر علينا في الحياة على اختلاف مراحلها مجموعة
مختلفة من اﻷصدقاء، اﻹ أن التمييز بين كل نوع من اﻷصدقاء مهم جدا حتى نعيش حياة
أكثر ثراء . إن الصديق الملهم قد يكون ضمن أحد الصدقات التي ذكرناها سابقا، وقد لا
يكون. الإ أن الصديق الملهم يمس الجانب الأكثر عمقا منك. إنه الشخص الذي يربك
منطقة الآمان لديك – فكرك، مشاعرك، سلوكك، قناعاتك... – لينقلك إلى منطقه جديدة
وواسعة في حياتك. أنه الشخص الذي يساعدك على إبراز الخيارات الإيجابية في شخصيتك
وعالمك. قد تكون أحد المحضوظين وتجد صديقك الملهم، وقد لا تجده على مسار حياتك كلها.
إن فكرة الصديق الملهم لا
تلغي أهمية الصداقات الأخرى وقيمتها؛ بل على العكس فلكل صداقه دورها المهم في كل
زاوية من زوايا حياتنا. إن وجود السكر والملح مهم جدا على الرغم من تطابقهما في
الشكل لكن يبقى لكل مادة طعمها الخاص وموقعها المناسب. وكلما وسعنا عدد الصداقات
في حياتنا كلما منحنا أنفسنا حياة أكثر عمقا وسعادة.
لكن لا بد أن نختار بعض صداقاتنا عن وعي..
تعليقات
إرسال تعليق